أحمد سليم يكتب من .. يفته قطار القمة يصبح من أهل القاع!
احمد سليم بوابة البرلمانكليات القمة والقاع مصطلح يتردد كثيرًا على أسماعنا في المجتمع المصري، وهو بعيد كل البعد عن الواقع العملي لتلك الكليات، حيث إن القمة الحقيقية أن يكون الطالب متفوقًا في كليته التي يحبها أيًا كانت، ومصطلح القمة يطلق - في الغالب - على كليات: (الطب - الصيدلة - الهندسة )، فيما يطلق على ما دون ذلك كليات القاع، وتلك إذًا قسمة ضيزى!.
وتأتي هذه النظرة لتلك الكليات من المجتمع الصغير أولًا (الأسرة)؛ حيث ينشأ الطفل منذ نعومة أظفاره على تلك المفاهيم الخاطئة والنظرات الطبقية لتلك الكليات؛ فنجد الأبوين يسألان الطفل ماذا تريد أن تصبح؟ ثم يلقنانه "قل دكتور، أو مهندس" وعندما يكبر الطفل يجد المجتمع الكبير يقدر أصحاب تلك الألقاب، ويظل الطالب تحت تأثير نظرة المجتمع الصغير والكبير إلى أن تأتي مرحلة الثانوية العامة التي تعتبر المرحلة المصيرية الفاصلة في حياة الطالب - وفق نظرة المجتمع - والتي يزداد فيها تأثير تلك النظرة على الطالب الذي من المفترض أن يلتحق بالكلية التي تدرس مجال اهتمامه وتوافق ميوله ورغباته، فنجد الأهل لا يتركون للطالب حرية اختيار ما يريد، بل يزينون له مستقبل "كليات القمة" - كما يزعمون - وأن من فاته قطار تلك الكليات أصبح بالتبعية من أهل القاع، وهو ما يعني ضياع المستقبل. وهذه النظرة الدونية للكليات الأخرى تؤثر بالسلب على الطلاب الذين لم يحالفهم الحظ في الحصول على مجموع كبير يؤهلهم للالتحاق بكليات "القمة" فيصابون بالإحباط والفشل، والذي يؤدي في بعض الأحيان للانتحار وغيره من الأفعال المؤذية للنفس، لعدم مقدرة الطالب على الوصول "للقمة".
ويغيب عن هذا المجتمع أن لكل كلية قمة وقاع، حيث إن كل كلية بها أعضاء هيئة تدريس، يتم اختيارهم وتعيينهم لتفوقهم على مدار أعوام الدراسة، فنجد أن المعيد بكلية الطب كالمعيد بكلية الحقوق، والاثنان أعضاء هيئة تدريس، مع اختلاف المسمى والمجال، فعلى الطالب ألا يجعل هذه النظرة تحول بينه وبين ما يحب، وتؤثر عليه سلبًا بقية حياته، إذا أرضى المجتمع والتنسيق الذي فرض عليه مجال دراسة وعمل لا يتوافق و ميوله ورغباته. والناظر إلى سبب ارتفاع مجموع تلك الكليات يجد أنه قائم على قانون العرض والطلب: أي أنه حسب احتياج الدولة لخريجين في مجال معين، وليس لأفضلية المجال، مع العلم أن المجتمع لن يستقيم إلا بوجود كافة تلك التخصصات، على اختلاف مجاميعها وتنسيقها، ومن غير المقبول منطقيًا أن شرط القبول في تلك الكليات يكون المجموع فقط، منا يفتح مجالًا لوصول أصحاب القدرة الكبيرة على الحفظ، أو المهارة العالية في الغش، ليصبحوا مؤهلين لدخول تلك الكليات، ولس من لديه المهارة والقدرة الحقيقية في مجال معين من مجالات تلك الكليات. وجُل الطلاب وأهلهم يريدون لأبنائهم الالتحاق بكلية من كليات "القمة" مثل كلية الطب ليقال له "يادكتور" ليس إلا، وهو غير مؤهل لا للدراسة، ولا محب للمجال ولكن بُغية الوصول لهذا اللقب - الذي استمد قيمته من المجتمع ونظرته - "ومنهم من تدكتر ومنهم من ينتظر"! وفي النهاية يجب أن نعلم أنه على الإنسان دائمًا في إخفاقاته ملاحظة المنحة المختبئة في المحنة، وليست نهاية العالم ولا آخر فرص الوجود أن يفشل الطالب في مادة أو حتى يرسب في سنة، ولعل الله كتب له ذلك لأمر ليس فيه إلا مصلحته في مستقبل أيامه، وإنما القوي الواثق في الله هو الذي يجعل إخفاقاته تجارب تزيد من خبرته في الحياة، ولا تكن حجرًا يسد عليه طريقه بل يصعد فوقه، علمًا بأن البلاء إذا أصاب الإنسان فصبر عليه فإنه يكون سببًا للتكفير عن ذنوبه ورفعة درجاته؛ وقد ورد في الحديث أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: ( مَا يَزَالُ الْبَلَاءُ بِالْمُؤْمِنِ وَالْمُؤْمِنَةِ فِي نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَمَالِهِ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ).
ويجب على أولياء الأمور الذين لم يكن الحظ محالفًا لأبنائهم في الاختبارات ألا يزيدوا في إحباطهم وتحطيم معنوياتهم بل يقدموا لهم الدعم النفسي اللازم، ليتجاوزوا ما حصل ويلتفتوا للقادم.