غلاب الحطاب يكتب: أمريكا والإسلاميون ..وإعادة ترتيب الأولويات
بوابة البرلمانفي نهاية عام 1979 شهدت منظقة وسط آسيا حدثين كبيرين هما الثورة الإيرانية الإسلامية التي تزعمها من الخارج روح الله الموسوي الخميني، حتى تولى مقاليد السلطة في نهاية ذلك العام، والحدث الثاني هو الغزو السوفييتي لأفغانستان التي تجاور ايران في حدود طولها أكثر من ألف كيلو متر وكان بين الحدثين رابطا مشتركا هو المواجهة بين الإسلاميين والقوي الشيوعية الماركسية في البلدين، لم تكن أفغانستان حتى تاريخ الغزو السوفييتي بلدا إسلاميا أو مزدحما بالمجاهدين كما ظهرت بعد ذلك الغزو وحتى اليوم، بل كانت دولة عادية أغلب الحراك السياسي فيها يدور بين العلمانيين الموالين للغرب والشيوعيين المواليين للاتحاد السوفييتي وكان مشهد اغتيال حفيظ الله أمين الموالي للسوفييت بسبب تغييره لعقيدته الماركسية ونيته التوجه نحو الولايات المتحدة ولم تكن الفكرة الإسلامية حاضرة في أي مشهد سياسي أفغاني قبل الغزو.
وقبل الثورة الإسلامية في إيران لم تكن الدولة الفارسية معقلا للقوى الإسلامية بل كانت دولة أقرب إلى النظم الغربية والمعارضة الرئيسية فيها يتزعمها حزب تودة الماركسي الموالي للسوفييت وكانت الحركات الإسلامية تأتي في المرتبة الثانية وحتى بعد الثورة فإن تحالف الإسلاميين وحزب تودة الماركسي كان من العلامات الواضحة جدا في المشهد الذي تلى اعتلاء الشاه طائرته متوجها إلى الفضاء ولتبدأ رحلته في البحث عن شقة تؤويه، فكيف تحولت أفغانستان إلى إمارة إسلامية؟ وكيف تحولت إيران إلى جمهورية إسلامية؟.
الموضوع ببساطة شديدة أن الحرب الباردة التي استعرت بين الولايات المتحدة بصفتها زعيمة الكتلة الرأسمالية وبين الاتحاد السوفييتي الذي استحوذ على شرق أوروبا بالإضافة إلى عدد متناثر من الدول في إفريقيا وآسيا كانت في أعلى درجات السخونة وكادت أن تندلع حرب نووية عندما وضع السوفييت صواريخهم النووية في كوبا وعلى بعد ثمانين كيلو متر من سواحل ميامي، وفي طيات هذه الحرب دخلت القوات السوفييتية أفغانستان المجاورة وثبتت نظاما شيوعيا حكم البلاد طيلة وجود القوات السوفييتية هناك أي عشر سنوات، وجدت الولايات المتحدة ضالتها التي واجهت بها السوفييت وهي إحياء الحركات الإسلامية الجهادية التي قامت بتسليحها وإمدادها بالمال وكان الجنرالات الأمريكيون يخطبون في المجاهدين يذكرونهم بسورة الأنفال ويدعونهم إلى مواجهة الكفار في موسكو وألصقت الدعاية الأمريكية وصف الإلحاد بالشيوعيين وتقبل الناس ذلك ولم يخطر ببال أحد أن روسيا هي أم الإلحاد وأمريكا هي أبوه.
أما إيران فقد بقى الخميني أربعة عشر عاما في ثلاجة الأمريكان في النجف العراقي حتى تيقنت أمريكا من أن الشاه يترنح فخشيت أن يدخل الشيوعيون إلى قصر سعد أباد فاستدعت الخميني على عجل الذي حملته طائرة الإيرباص الفرنسية من قرية نوفل لوشاتو إلى طهران في صحبة رجال المخابرات الأمريكية والفرنسية الذين حملوا الكاميرات وكأنهم صحفيون، ولتأمر أمريكا خلال أيام من وصول الخميني إلى مطار طهران أن يأتي قائد سلاح الجو الإيراني مع كل تشكيلات السلاح ليؤدوا التحية العسكرية للحاكم الإسلامي الجديد ويفر بعدها إلى فرنسا، وأيضا شهبور بختيار آخر رئيس وزراء إيراني وكأن فرنسا هي مستودع الحكام الجدد ومخزن الحكام السابقين من والى مطار طهران الدولي.
يمكن بعد ذلك ضرب بعض الأمثلة لاعتناق الولايات المتحدة الفكرة الإسلامية وعلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل عندما قصفت العاصمة اليوغسلافية وألقت القبض على الرئيس اليوغوسلافي سلوبودان ميلوسوفيتش عقابا له على استمراره في الانتماء إلى الفكرة الشيوعية حتى بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وكان حلف الأطلنطي هو من أسقط صدام حسين المانع والسد الكبير ضد تمدد الفكر الإسلامي الشيعي في الشرق العربي كما أن الولايات المتحدة هي من اصطادت القذافي وأولاده ومكنت الحركات الإسلامية من الظهور لأول مرة منذ استقلال ليبيا عن إيطاليا.
بعد انهيار الكيان السوفييتي غيرت الولايات المتحدة من سياساتها واتجهت إلى الأماكن التي أقامتها امارات إسلامية لتدمرها على هدى من بعض الأفلام الأمريكية التي تصور صناعة "روبوت" قوي من قبل أحد العباقرة ولكن ذلك الروبوت يبدأ بذلك العبقري ليقتله.
استدعيت كل تلك المشاهد وأنا أري الولايات المتحدة مع إسرائيل اليوم في مشهد تصر فيه على القضاء على الحركة الإسلامية في غزة وهل كانت أمريكا عاجزة من قبل عن القضاء على تلك الحركات؟ فلماذا تركتها كل تلك المدة؟ ولماذا تقرر اليوم أن تقضي عليها ؟ لابد أن الأمر يستدعي بعض المشاهد التاريخية في المقاربات السابقة بين الأمريكيين والإسلاميين وفي المواجهة بينهما، وإذا كانت الولايات المتحدة بمراكز أبحاثها شديدة الدقة والحساسية كانت تعلم بتفوق حركة حماس في أول انتخابات تنافس فيها السلطة الفلسطينية عام 2006 فلماذا تواجهها اليوم مواجهة صفرية؟ وإذا كان العالم يتحرك اليوم على وقع الحرب بين روسيا وأوكرانيا ويتحدث الجميع عن إقامة دولة يهودية جديدة في أوروبا وبينما كان العالم يتحدث عن المشروع الصهيوني في فلسطين وكونه لصالح مشروع صهيوني جديد في القرم يفاجأ العالم بهذا التوسع الصهيوني على حساب الأراضي العربية فيما يبدو أنه سايكس بيكو جديد مبني على أساس ديني هذه المرة، وتقع الإجابة المحتملة على تلك الأسئلة جميعا في طبقية الفكرة اليهودية، فمن ناحية يري اليهود أنهم أفضل من كل البشر ويري اليهود الغربيون أن الشرقيين هم مجرد يهود بالاسم وليست لهم حقوق وأن الدولة اليهودية المحتملة في أوكرانيا قد تكون دولة الأغنياء بينما تظل إسرائيل دولة المستوطنين والباحثين عن الإسكان الاقتصادي ولمنع الهجرة من إسرائيل إلى الدولة الجديدة لزمت بعض التوسعات في الدولة القديمة ومنها إزالة قطاع غزة بسكانه من الوجود وبالتبعية إزالة حركة حماس.
وإذا تبنينا وجهة النظر تلك فإن حركة حماس هنا ليست هي المقصودة بالحركة العسكرية الهستيرية المستعرة الآن ضد المدنيين في غزة وليس المقصود هو تحرير الأسرى اليهود وإنما إنجاز إخلاء سريع ومبتسر على الأرض لإتاحة الفرصة لبناء مزيد من المستوطنات.
والحقيقة أن الموضوع يحتاج ا٨لى بحث سياسي وعسكري دقيق يستلهم التاريخ والعلاقة بين الإسلاميين والغرب وتأثيرها على المحيطين العربي والإسلامي في آسيا وإفريقيا.
بكل تأكيد فإن الموقف الأمريكي يأت دائما خال من كل معاني الإنسانية، فالخريطة التي يضعها راسم السياسة الأمريكية والإسرائيلية يمكن أن تقتل كل الفلسطينين حتى لا ينحرف خط مستقيم رسمه واضع الخريطة الجديدة، ويمكن أن تقتل كل العرب حتى يحقق هؤلاء مصالحهم الاقتصادية والعسكرية وهل يعقل أن يقتل ثلاثين ألف شخص على الهواء مباشرة لمجرد انتمائهم إلى شعب ما؟!
ما يحدث إذا، ليس خليطا من السياسة والعسكرية وإنما خليطا من الحيوانية والهمجية وسوف تنتصر الشعوب مهما طال الوقت.