د. غلاب الحطاب يكتب: كل انكسار يعقبه انتصار
بوابة البرلماننعم كل انكسار يعقبه انتصار وكل عسر يعقبه يسر، هذا وعد الله وكان وعد الله حقا.
وها نحن قد بلغنا اليوم الخامس من شهر رمضان الكريم شهر الانتصارات والفتوحات الإسلامية الكبرى، تعالوا نقلب صفحات التاريخ لنستلهم منها العبر
، فلم يكن الصوم كما هو
اليوم حيث يرقد المرء فى الغرف المكيفة، بل كان وربما لا يزال في مناطق كثيرة مكابدة تحت وطأة العطش والجوع، ولهيب القنابل وفاجعة فراق الأحباب، وهو الواقع المرير الذى يعيشه أهلنا فى فلسطين،
شعب أعزل فى مواجهه آلة حرب بيد عدو لا يرحم ولا يحمل فى قلبه غير الحقد والضغينة ولا يعرف للبعد الإنساني طريقا.
صبرا أرض فلسطين وأهلها
إن التاريخ الإسلامي يحمل صفحات عظيمة من رمضانيات الفاتحين، قتالا فى الفيافي وعلى أبواب الحصون وكم عبروا لأنهار الموت وخرجوا منتصرين،
ليكتبوا لنا تاريخا خالدا من فتوحات رمضان التى خاضها قادها العطشى المحملون بسلاح الإيمان والعزيمة.
وأنتم اهل فلسطين ضربتم أعظم الأمثلة على الصبر والجلد والإقدام صونا للأرض والعرض والنصر قريب إن شاء الله، ولنا فى الفتوحات الإسلامية المثل والعبرة.
ولعل من أشهر المعارك والفتوحات التي وقعت في رمضان ، غزوة بدر الكبرى.حيث
تلاقت سيوف جيش الإسلام قليل العدد والعتاد تحفهم الملائكة، وجيش قريش المتغطرس بفرسانه وعتاده وعدده الذى ضاعف أعداد المسلمين صباح السابع عشر من رمضان من السنة الثانية الهجرية، لم يكن بين الجيشين أي تكافؤ، فالجيش القرشى يقترب من ألف مقاتل، وجيش المسلمين في حدود 314 مقاتلا، وكان عتادهم الإيمان وأفراس محدودة، وسيوف معدودة، لكن كانوا يملكون عزائم وطموحات لا سقف لها.
انتهت بدر سريعا بحصد رؤوس جبابرة قريش، حيث قتل 70 من صناديدها وتم أسر سبعين آخرين، وكان من نتائج هذه المعركة الفاصلة ان أزاحت جيلا كاملا من غطرسة الشرك وكسر شوكته ومهدت لفتح مكة
في السنة الثامنة من الهجرة، وفي 20 رمضان، انهمر جيش الإسلام الضخم إلى مكة المكرمة، كالسيل نزل إليها من أعلاها ومن بطحائها، فدب الرعب في نفوس القرشيين بعد أن نقل إليهم سيدهم أبو سفيان الرسالة المحمدية شديدة الرحمة والخلق القويم، "من دخل المسجد الحرام فهو آمن، ومن أغلق عليه بيته فهو آمن، ومن دخل بيت أبي سفيان فهو آمن".
دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة يحدوه التكبير وتظله الهيبة والوقار متواضعا لله الذي مكنه من فتح مكة، ثم أسلمت مكة قلبها وزمامها للإسلام وصعد بلال بن أبي رباح سقف الكعبة، وصدح بالأذان والتوحيد بعد أن خرجوا منها قبل ثمانية سنوات خائفين يتبعهم طغاة الشرك، وكان يوم فتح مكة، أحد أبرز أيام الإسلام انتصارا.
ومن أهم الفتوحات أيضا
فتح البويب وسيوف المثنى بن حارثة الذى قهر الفرس قرب مدينة الكوفة.
كانت سمعة المثنى بن حارثة رضي الله عنه جوابه آفاق، فقد عرف عنه الفرس سطوته وشدته في الحرب، وبلغهم كثرة جيشه الذي تشكل من أضاميم من الصحابة ومختلف القبائل العربية، والتقى جيشا المسلمين والفرس عند موقع يعرف بالبويب قرب مدينة الكوفة الحالية في العراق.
وتذهب روايات التاريخ الإسلامي إلى أن أول أيام هذه المعركة كان في 13 رمضان من السنة 13 هجرية، وفيه اعتلى المثنى سرج فرسه الشموس، وكان لا يركبه إلا للحرب، وبعد قتال عنيف و طويل حمل المثنى على قيادة الجيش الفارسي حتى قُتل قائده مهران، فانكسرت دفاعات الفرس وولوا هاربين، حتى قيل إن الذين هلكوا من الفرس قتلا وغرقا تجاوزوا 100 ألف قتيل، أما المسلمون فقد قدموا فى هذه المعركة حوالى أربعة آلاف شهيدا.
ثم جاء فتح السند، الذى أطلق عليها باب الإسلام الكبير في شرق آسيا، فلم يكن فتح بلاد السند حدثا عابرا بل كان بوابة حضارة تلقفتها شعوب شرقي آسيا، فدخلت في دين الله أفواجا، بعد أن كانت تلك البلاد تشكل خطراً جسيما على المسلمين وتجارتهم حتى أنهم أسروا عددا من النساء المسلمات اللاتي استغثن بخليفة المسلمين وواليه على العراق، وبطبيعة الحال لم تكن منطقة السند هدفا سهل المنال، فخلال تلك الفترة انهزمت حملتان أرسلهما أمير العراق الحجاج بن يوسف إليها وقتل قائداهما، ثم تلى ذلك إرسال ابن أخيه محمد بن القاسم، كان يومها شابا في الـ17 من عمره مرهف الحس متوقد الحماس شجاعا بالغ العزيمة، فحاصر بلاد السند 3 سنوات، ودخلها فى السادس من شهر رمضان سنة 92 للهجرة، واستطاع اختراق ثغراتها بجيش من 12 ألف مقاتل، قبل أن يمتد سيف الفتح إلى مدينة نيرون المعروفة حاليا بحيدر آباد، ثم واصل القائد الشاب يفتح المدن صلحا وعنوة، سلما وحربا، حتى أخضع السند لحكم الخلافة الإسلامية في نحو 3 سنوات فقط.
ثم يأتى بعد ذلك فتح الأندلس "الفردوس" المفقود، حيث
كانت سنة 92 للهجرة منعطفا جديدا في تاريخ الإسلام، فقد تمدد نحو أوروبا الحالية وأرسى سفن الفتح على ضفاف الأندلس، وأطلق رحلة من الجلال والجمال طيلة 8 قرون، صنعت حضارة الفردوس المفقود.
كان الفتح بقيادة طارق بن زياد مع 12 ألف فاتح من جنوده، أغلبهم من السكان البربر المحليين، فكسروا عنفوان الجيش القوطي الذي فقد ملكه وقرابة 40 ألفا من مقاتليه، وانطلق الفتح الإسلامي في الأندلس وجاء فتح عمورية ذلك الفتح الذى أطلقته صرخة استغاثة.
لم يكن لفتح عمورية سبب مباشر غير تلك الصرخة التي دوت في آفاق التاريخ، عندما اعتدى رومي على امرأة مسلمة في سوق عمورية، فصرخت "وامعتصماه"، سخر الرومي من تلك الصرخة، مستهزئا، غير أن عينا من عيون المعتصم نقل الحادثة بتفاصيلها إلى الخليفة في بغداد، فجهز جيشه وصف جنوده، رغم محاولات تثبيطه، لكنه واصل قدما حتى دك أسوار عمورية، في رمضان سنة 223 هجرية، ودك حصونها، وأتى بالعلج حتى أوقفه في ذلة أمام المرأة المستغيثة، فكان بذلك أول فتح وأقوى جيش تحركه دموع امرأة.
ثم كانت معركة الزلاقة، جيش المرابطين الذي حطم سطوة الإسبان في الخاصرة الجنوبية من إسبانيا الحالية، وقعت أعظم معارك الأندلس، وإحدى أهم المعارك في التاريخ الإسلامي، وهي معركة الزلاقة المشهورة التي وقعت في شهر رمضان سنة 479 هجرية، سار الجيش البدوي تحدو رجاله جماله، بعد أن استنجد الأمير المعتمد بن عباد بأمير المرابطين يوسف بن تاشفين لإنقاذه من تهديد جيش مملكة قشتالة بقيادة ألفونسو السادس ملك قشتالة وليون.
وبعد أن اصطف الطرفان للمواجهة في سهل الزلاقة وجرت بحار الدم بين الطرفين انهزم الإسبان شر هزيمة، وكسرت شوكتهم.
ثم كانت أم المعارك حطين، وفتح القدس في رمضان سنة 583 هـ عندما قاد صلاح الدين الأيوبي معركة حطين لكسر شوكة الصليبيين المتحكمين يومها في الشاطئ والشريط الشامي، كان عمر الغزو الصليبي في تلك الأرض أكثر من 90 سنة، يومها خرج صلاح الدين الأيوبي بجيشه لينهي مسارا طويلا من التصدي للغزاة الصليبيين وانتهى يوم السجال الدامي بانتصار باهر وتفرق الصليبيون مهزومين بعد أن أعمل فيهم جنود صلاح الدين صوارم السيوف، وكانت حطين البوابة الأوسع لتحرير المسجد الأقصى وإنهاء مأساته التي استمرت 90 سنة.
وكانت عين جالوت، أول هزيمة لجيش التتار الذي لا يقهر
وكانت جرائم التتار وبطشهم أكبر رسل الهزيمة النفسية إلى نفوس المسلمين بل والعالم من حولهم، فقد سقوا الشق الإسلامي من آسيا يومها فواجع البطش تدميرا للمدن وحرقا للأرض وإبادة وحشية للإنسان، ثم جاءت فاجعة بغداد حيث قيل إن القتلى يومها تجاوزوا مليون إنسان، ثم سقطت الخلافة العباسية، وقتل الخليفة المستعصم بالله بيد هولاكو، وتحت رماح وسيوف التتار.
ثم استمر الزحف الدامي يخضع مدن الشام وفلسطين الواحدة تلو الأخرى، إلى أن تولاه الحظ العاثر في قرية عين جالوت قرب مدينة نابلس الحالية يوم 26 رمضان سنة 658 هـ، حيث تواجه الجيشان وبدأت الحرب الدامية
وانتهت بنصر من أعظم انتصارات المسلمين حيث أدت تلك المعركة الفاصلة إلى تغيير كبير في ميزان القوى، ومثلت أول نصر مؤزر للمسلمين أمام جحافل التتار، فكانت بذلك نقطة فاصلة في التاريخ الإسلامي.
ثم كان عبور بارليف وذلك النصر الذى جاء بعد مرارة الهزائم العربية، وكان لتدمير الجيش المصري خط بارليف في حرب أكتوبر عام 1973 منعطفا خطيرا في الصراع العربى الصهيوني، الذى بدأ منذ بداية تهجير اليهود إلى الأراضى الفلسطينيه مرورا بنكبة عام 1948 قبل أن تزيد مرارة مع نكسة عام 1967، وخلال هذه الفترة ترسخت عقيدة "الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر" في نفوس القادة والشعوب، قبل أن يتحرك الجيش المصري العظيم في شهر رمضان سنة 1973 نحو خط بارليف الحصين، حيث دمروه تدميرا وعبروا إلى عمق الأرض المحتلة، حيث هزموا جيش الاحتلال، وأعادوا تحرير الأرض المصرية.في واحدة من أشرس المعارك وفى مواجهه اقوى الحصون، حيث كان بارليف بالنسبة لإسرائيل يومها جدارا عازلا لا يمكن التفكير في اختراقه، ثم كان العبور الذى رفع فيه الجنود شعار "الله أكبر"، وكان العاشر من رمضان يومها أحد أيام التاريخ الذي تفاعلت معه الجماهير بالهتافات والزغاريد في كل العواصم العربية.
ونستلهم من تلك الأحداث أن النصر قادم لا محالة وأن الفجر سيشرق مهما طالت عتمة الليل وأن الأمة العربية كم عانت ويلات الحروب لكن دائما كان النصر حليفها فى النهاية.
إن وعد الله حق والله لا يخلف وعده، وأرى الخروج الكبير لليهود قد دنى، فيا أهلنا فى فلسطين اصبروا وصابروا.