د. غلاب الحطاب يكتب: ثقافتنا القانونية و.. «اللهو الخفي»
بوابة البرلمانقبل أن «تقع الفأس في الرأس» وتجد نفسك وقعت في مصيدة بسبب جهلك بالقانون انتبه.. لا بد أن تعرف ما لك وما عليك.. واجباتك قبل حقوقك.. المتاح والمسموح به والممنوع الذي قد يقودك في غفلة من الزمن إلى «اللومان».
فللأسف الشديد الثقافة القانونية «غائبة» رغم أنها من الموضوعات التي يجب أن تحظى باهتمام شديد من جانب كل من له علاقة بالشأن العام في أي مكان على وجه الأرض لكن في مصر تتبدى الأهمية القصوى لهذا الأمر بعد أن أثبتت التجارب على مر تاريخ مصر أن كثيرين تغيب عنهم أبسط قواعد الإلمام بالثقافة القانونية مما يجعل الكثيرين منهم يقعون في ورطات وأحياناً مصائب لا يفيد بعدها الندم.
وما يغيب عن كثيرين هو أن الإلمام بالثقافة القانونية أشبه بالدرع الذي يحميك ويجعلك تدرك تلك القواعد القانونية التي تعيش في ظلها ولذلك وهذا هو الجانب الأهم فمن الأهمية أن يكون شأن القانون ومشكلات تطبيقه شأنا عاماً أيضاً.. لكن كيف يحدث ذلك وما السبيل للخروج من هذه الورطة التي قد تكلف البعض حياتهم؟
أولا لا بد أن يكون الأمر مطروحاً للنقاش في حوار مجتمعي مفتوح يحضره قانونيون وخبراء ومتخصصون في جميع المجالات وألا يكون منحصراً بين شراح القانون وفقهائه والمشرعون فقط حتى لا يتحول الأمر إلى ما يشبه «حوار الطرشان».
فالواقع الذي لا يماري فيه عاقل هو أن هناك صلة عميقة بين وجود القانون في حد ذاته وبين فاعليته للتطبيق فوجود القانون لا يعني الالتزام بأحكامه بشكل مطلق ولكى نضمن فاعليته وتطبيقه على المخالفين له لا بد أن يعلم به الناس ولا يظل القانون سـراً محفوظاً في نفوس المشرعين وفقهاء القانون فلا بد أن يتحاور الناس حول القاعدة القانونية ومدى أهميتها وجدواها الاجتماعية ومدي قبول الأفراد المخاطبين بها لتلك القاعدة، فلابد لنا أن نستعين بآخرين لمعاونة رجال القانون على إصلاح عوار بعض القوانين وتقليل الفجوة بين القانون كفكرة مجردة وبين سلامة تطبيقه على أرض الواقع ولن يتأتي لنا ذلك إلا إذا تمت دعوة المخاطبين بأحكام القانون إلى التحاور حوله وهي مهمة ثقيلة تحتاج إرادة وجهد كبير ومثابرة حتى يتحقق الهدف المنشود.
فليس كل ما يتم إفراغه من قواعد قانونية- رغم أهمية الجهد التشريعي لإقرارها- قابلة للتعامل مع حاجات الناس وشؤونهم. فهناك كماً هائلاً بل غابات من القواعد القانونية المتشابكة والمتنافرة - تملأ النشرات التشريعية والجريدة الرسمية لا تجد لها مكاناً للتطبيق على أرض الواقع ولا يعلم عنها المخاطبين بأحكامها شيء.
وهذا ما أوصلنا إليه حرفية القانون و«كهانه» و«عرابوه» الذين يتباهون بقدرتهم على الصياغة القانونية المنضبطة على طريقة المثل الشعبي «اللي ما تخرش الميه» دون أن تتوافر لدي المخاطبين بالقاعدة القانونية الحد الأدنى من المعلومات حول تلك القاعدة فهل تتوافر لدى العمال- على سبيل المثال- أساسيات قانون العمل وهل تتوافر لدى الموظفين المعلومات الضرورية لقانون الخدمة المدنية الجديد.. والملاك والمستأجرون هل هم على علم بأي شئ عن القوانين المنظمة للعلاقة بين المالك والمستأجر والكثيرون غيرهم في معظم مناحي الحياه.. فكيف يستقيم الأمر هكذا.. كيف ينصاع هؤلاء وغيرهم لأحكام القانون عن رضا واقتناع دون معرفة أبسط قواعده؟
والأهم كيف نؤاخذهم بالقاعدة التي تقول لا يعذر أحد بجهله بالقانون بحجة نشره بالجريدة الرسمية أو غيرها من النشرات القانونية؟.. فهل عامة الناس أو خاصتهم يعلمون شيئا عن الجريدة الرسمية.. بل أزعم أنها لدى كثيرين من الناس مثل «اللهو الخفي» الذي لا يعلمون عنه شيئاً.
هذا من ناحية ومن ناحية أخرى هناك سؤال آخر بريء براءة الذئب من دم ابن يعقوب.. هل القائمين علي سن القوانين علي دراية واعية بالثوابت الاجتماعية واجبة الحماية والأسلوب الأمثل لتلك الحماية؟ أم أن أغلبهم يوافقون على مشروعات القوانين التي تقدمها الحكومة بصورة روتينية بعد مناقشة «لا بد منها» على طريقة «عملنا اللي علينا والباقي على ربنا». وحتى لا نكون مبالغين فإن الثقافة القانونية التي تهمنا هي أن يعي الناس القانون وليس مجرد العلم به فلا بد أن يقتنع المخاطبون بالقاعدة القانونية بعدالتها وأهدافهاعن بصر وبصيره وغياب تلك الثقافة يؤدي إلى الاغتراب بين المصريين وغيرهم من المخاطبين بالقوانين الأمر الذي يتطلب برامج تثقيفية متخصصة للنهوض بالثقافة القانونية إن أردنا ان ننشئ مجتمعا صحيحاً يؤمن إيمانا يقينيا بالديمقراطية.
فكيف نعلي شأن الديمقراطية في غياب الحد الادني للعلم بالقانون الأمر الذي يتطلب تضافر كل الجهود الرسمية وغير الرسمية في إتاحة منابر إعلامية وندوات تثقيفية تتم من خلالها شرح القوانين بأسلوب مقبول وبسيط ويقع علي عائق الإعلام المقروء والمسموع والمرئي دوراً رئيسياً في هذا الشأن.
هذا الدور لا تقل أهميته عن دور وزارة التعليم والتي يجب عليها إقرار المعارف القانونية في مناهجها بجميع مراحلها المختلفة ويقع العبء الأكبر على الصحف واسعة الانتشار في تخصيص مساحات على صفحاتها لتوعية المواطنين عن طريق إتاحة الفرصة لشراح القانون والعاملين به على ارض الواقع وإخراجه من قالبه الجاف ونظرياته المجردة وطرحه على بساط المعرفة.. فهل نبدأ سريعاً بأن نخطو الخطوة الأولى في مشوار الألف ميل؟