محمد فؤاد يكتب: معضلة طارق عامر!
بوابة البرلمانعندما يُصاب الإنسان بجرح، يبحث سريعا عن علاجه، حتى لا تحدث مضاعفات تزيد الأوجاع، بل أن العلاج في بعض الأحيان يكون ببتر عضو كامل حتى لا يُفسد باقي الأعضاء، وكذلك الأمر تماما في مؤسسات الدولة فلا يمكن تجاهل جرحًا في أي منها، يكون سببا في تسلل المرض داخلها.
هذا في الإطار العام لمؤسسات الدولة، ولكن منها من يكون له وضع خاص يتطلب الحسم السريع، خاصة وأن مرضها سريع الانتشار وسلبي التأثير على باقي المؤسسات، والسكوت عنه يسبب كوارث لاحقة.
فمنذ شهر مايو، فتحت ملف شبهات تعارض المصالح داخل البنك المركزي، ومع حساسية هذه المؤسسة حرصت ألا أطلق كلاما في الهواء بل تحدثت من واقع مستندات لا تقبل الإنكار أو الشك، خاصة وأن سمعة هذه المؤسسة جزء أساسي في استقرار السياسة النقدية للدولة.
هدفي كان واضحا ومحددا وهو القيام بدوري كنائب للشعب انتخب كي يراعي مصالح الوطن و يعمل دوره الرقابي المنصوص عليه دستوريًا، ومنه تقدمت بالسؤال وليس بالاتهام طالبًا ايضاحًا من قبل جهات التحقيق وباقي الجهات المعنية حول ما تشير إليه المستندات من وجود شبهات.
ما تحدثت عنه تحديدا وقتها، انصب على شبهة استغلال داليا خورشيد، الوزيرة السابقة، لوظيفة زوجها محافظ البنك المركزى طارق عامر، من أجل تسهيل أعمالها، وتعارض ذلك مع وظيفته وهكذا تعارض نشاطها في مجال تدريب مديري البنوك مع نشاط المعهد المصرفي التابع للبنك المركزي، بل والتنافس المباشر معه بالمخالفة للقانون.
بل أن الوزيرة السابقة من خلال شركتها "مسار"، روجت في خطاباتها للبنوك، نفوذها بمؤسسات وشخصيات كبيرة في الدولة لتقديم خدمات تدريبية للبنوك بمقابل مادي كبير، وأنها تتعامل مع مسؤولين في الحكومة منهم رئيس مجلس الوزراء ومحافظ البنك المركزي ووزير التخطيط والمتابعة والإصلاح الإداري.
ناهيك عما تم إثارته من تعرض بعض المدراء والمسئولين في بعض البنوك الحكومية والخاصة لضغوط كبيرة لقبول تأجيل تنفيذ حجز إداري علي الشركة المصرية للهيدروكربون وهي شركة مديونة بمبلغ يقدر بحوالي 450 مليون دولار لعدد من البنوك، بعد أن انعقدت النية للحجز عليها بعد تعثرها لأكثر من ثلاث سنوات عن دفع أي من أقساط القرض.
فبعد تسرب أزمة الشركة إلى الوزيرة السابقة، تواصلت مع رئيس مجلس إدارة الشركة، من خلال وسيط، وعرضت أن تمثل الشركة أمام كل البنوك، وبعد تدخلها تم تعطيل إجراءات الحجز الإداري، ثم تم تأجيل إجراءاته لمدة 3 أشهر.
الوزيرة حصلت على مبلغ 275 ألف دولار، نظير هذه الصفقة، وفق المعلومات المتداولة، بل أنها اتفقت على تحصيل 50 ألف دولار شهريًا نظير القيام بأعمال الاستثمارات للشركة المتعثرة، ونسبة 3% من القرض الجديد التي تقوم بتسهيله.
الأخطر من ذلك، أن ھناك أشخاص تجمع بین عضویتھا في مجالس إدارات بنوك من بینھا المانحة للقرض، وعضویتھا في شركة مسار، مما يؤكد أن ھناك أشخاص تعمل في جھتین معا بشكل يسمح بوجود تعارض مصالح.
ومؤخرا ظهرت وقائع أخرى، أكدت أن هناك أحد أعضاء مجلس إدارة البنك المركزي يدعى كمال "جون" سمعان بباوي، يشغل في ذات الوقت منصب عضو بمجلس إدارة شركة مسار المملوكة للوزيرة السابقة، بجانب علاقة الصداقة مع طارق عامر.
حالة هذا الشخص جديرة بالتحقيق بمفردها، فهو مصري يحمل الجنسيتين البحرينية والأسترالية أيضا، ويعمل في منصب حساس بمصر يسمح له بالاطلاع على معلومات تخص السياسة النقدية، ومع هذا عمل سابقا لجهاز قطر للاستثمارات، ويشاع أن لديه علاقات عمل برئيس وزراء قطر، ومثبت من خلال السجل التجاري أنه عضو مجلس إدارة في شركة مسار!
ملخص الوضع يضعنا أمام كارثة، فشركة ليست حكومية تعمل في مجال مرتبط بالبنك المركزي، وتوظف أعضاء مجلس إدارته بها، وقبل ذلك رئيسة الشركة هي زوجة محافظ البنك نفسه، وهناك شبهات على أنها تستغل منصبه لتمرير صفقات، فقبل أن يكون هناك وقائع محددة تمثل مخالفات فإن الوضع نفسه مثال صارخ على تعارض المصالح المجرم قانونا.
كل هذه الوقائع والمستندات التي تثبت ما تحدثت عنه، تتطلب تحقيق حاسم وشفاف، حتى نواجه جرح خطير في أهم وأكبر مؤسسة نقدية في الدولة، خاصة في ظل استراتيجية الرئيس لمواجهة الفساد، وتأكيده عدم التستر على أي فاسد مهما كان منصبه.
وبما أن هناك أيام قليلة تفصلنا عن اختيار محافظ البنك المركزي، أما بالتجديد لطارق عامر، أو اختيار بديل، فإنه من المحرج لكيان الدولة بأكملها أن يتم ذلك دون تحقيق شفاف في القضية، خاصة حتى لا نترك مجالا للتندر على جهات التحقيق المعنية.
لا توجد خصومة شخصية مع طارق عامر، فهو كما قلت من قبل قد يكون أفضل من تولى منصب محافظ البنك المركزي في نظر البعض، وقد لا يكون في نظر آخرين، إلا أن معضلته الحقيقة تكمن في أن قلعته مخترقة وأصبحت مثال صارخ لفتنة تعارض المصالح.